
تنادت الأحزاب فيما بينها، على انتقاد تدابير الحكومة في جدولة الميزانية، وتعديل سلّم الرواتب، مفترضة نفسها بريئة من افلاس الدولة، التي ما كانت لتصل الى هذا الحد، لولا صفقات الطبقة المتنفذة، وامتيازاتها، وسيطرتها على المال العام والوزارات، عبر المكاتب الاقتصادية، والمنافذ الحدودية وشركات الاتصالات والمقاولات، فضلا عن رواتب أصحاب المناصب والدرجات الخاصة، وجلّهم -إن لم يكن كلهم- من الأحزاب.
تدرك هذه الأحزاب جيدا، انّ الحكومة ليس لديها المال الذي يسد الرواتب بمعدلاتها الحالية، لكنها تنافق في جعل نفسها الواجهة للدفاع عن رواتب الموظفين والمتقاعدين، متعامية عن خواء الميزانية، الناجم في الأساس من هيمنتها على مفاصل الدولة المالية.
الأحزاب المتباكية بدموع التماسيح على تخفيض الرواتب، هي المسؤولة عن انهيار الوضع المالي، ولأنها تدرك ذلك، فإنها تتعمّد تهييج الشارع، لكي تشاغل الدولة عن النقلات القادمة في محاسبة من سرق ونهب أموال البلاد منذ 2003، وجلّهم من المتحزبين وأصحاب المناصب والنفوذ.
الذي يدرك المأزق المالي الذي يمرّ به العراق، سوف يتخندق مع الحكومة في تعديل سلم الرواتب، والاّ فان الجوع قادم وسوف يضرب المواطن، دون غيره، لان كروش الأحزاب متخمة بالأموال بما يكفي.
دول غنية، تتفوق على العراق اضعافا مضاعفة في انتاج النفط والواردات المالية، فرضت الضرائب وأعلنت صراحة ان زمن الرفاه قد ولّى، فيما دول أخرى، تقف الأحزاب الى جانب الحكومة في إجراءات تجاوز الأزمة، الا في العراق، فانها تجد في الأزمة المالية، فرصة للفوضى والتسقيط وتلميع الصورة الملوثة بالفساد واستنزاف الميزانية وسوء التدبير المالي.